تقدير استراتيجى: انعكاس الانقلاب العسكرى فى مصر على قطاع غزة

انشر هذا الموضوع :

لا تقتصر انعكاسات الانقلاب العسكرى فى مصر على مجرد مخاوف الحكومة التى تقودها حماس نتيجة عزل رئيس ينتمى إلى التيار الإسلامى الذى تنتمى إليه حماس؛ إذ ترافق الانقلاب مع حملة غير مسبوقة فى تدمير الأنفاق بين قطاع غزة ومصر، وإجراءات تشديد الحصار على القطاع؛ كما ترافق مع حملة تحريض واسعة فى الإعلام المصرى (المؤيد للانقلاب) ضدّ حماس.
إذا لم يعد المسار الديمقراطى الحر المنفتح على جميع التيارات فى مصر، وإذا ما تولت الحكم، بدعم من العسكر، اتجاهات مرتبطة بفلول النظام السابق، أو ملتزمين بالرؤية الغربية للمسار الديمقراطى والسياسى فى العالم العربى؛ فليس من المستبعد أن يتعرض قطاع غزة إلى مزيد من الحصار والتضييق بهدف إفشال وإسقاط الحكومة التى تديرها حماس فى القطاع؛ وبهدف دعم السلطة فى رام الله وتشجيع مسار التسوية السلمية، غير أن ذلك قد تكون له تداعياته السلبية المباشرة على المصالحة الفلسطينية، وعلى إعادة ترتيب البيت الفلسطينى.
أولا- الانقلاب وانعكاساته على القطاع:
كان وقع الانقلاب العسكرى الذى حدث فى مصر فى 3/7/2013 كبيرا على قطاع غزة، وخصوصا حركة «حماس». ليس بالضرورة بسبب انحياز من حماس لطرف مصرى دون آخر، وإن كانت لا تخفى تعاطفها مع الإخوان المسلمين، ولكن لأنها علمت بصورة مبكرة أن تبعات التحولات المصرية ستجد آثارها فى قلب غزة.
ويمكن تتبع أهم هذه الآثار والنتائج على النحو التالى:
1- شروع معظم وسائل الإعلام المصرية المنحازة للانقلاب، فى توجيه سيلٍ من الاتهامات إلى بعض الجهات فى قطاع غزة، وتحديدا «حماس»، بالتدخل فى شئون مصر الداخلية، ما جعل الحكومة فى غزة تبدأ بإصدار سلسلة من البيانات النافية، والمنددة بما اعتبرته حملة منظمة ضدها.
2- وقف شبه كامل للاتصالات السياسية والأمنية بين حكومة تسيير الأعمال فى غزة والسلطات المصرية، باستثناء مكالمات هاتفية فى حدودٍ دنيا لتسهيل بعض القضايا الإنسانية فقط.
3- استغلال السلطة الفلسطينية فى رام الله التحولات المصرية، بمطالبة حماس بالعودة إلى المصالحة، وكأنها كانت الطرف المنتصر فى الملف المصرى، فيما حماس هى الخاسرة، بسبب إسقاط مرسى، وهو ما أثار من جديد حالة من تبادل الاتهامات بين الجانبين، أدت إلى تعكير الأجواء الهادئة نسبيا.
4- إغلاق شبه محكم لمعبر رفح، بعد ساعات قليلة من إعلان الانقلاب، وتقليل لعدد المسافرين الفلسطينيين فى الاتجاهين.
5- عملية متواصلة من هدم الأنفاق بصورة غير مسبوقة، لم يشهدها نظام مبارك فى ذروة خصومته مع حماس، خلال سنوات الحصار الأولى، وهو ما أدى إلى هدم نحو ألف نفق، وخسارة مادية تُقدر بنحو 230 مليون دولار.
6- تحليق جوى غير مسبوق للطيران المصرى فى سماء مدن قطاع غزة الجنوبية، وتحديدا فى مدينتى رفح وخان يونس، دون أن يتم اعتراضها من الطيران الإسرائيلى، وهو ما فهم على أنه منسق بين الجانبين، وإن كانت هذه الخطوة المصرية بدافع تتبع مسلحين قد يكونون هربوا من مصر إلى غزة، لكنه يلقى بظلال سلبية على علاقة الجانبين، لأن الخطوة المصرية تمّ تنسيقها مع «إسرائيل»، فيما فوجئت بها حكومة غزة مثل باقى المواطنين!
7- بالتزامن مع الانقلاب، والترحيب الإسرائيلى به، صدرت من بعض الضباط والوزراء فيها، تصريحات متلاحقة بتنامى قوة حماس العسكرية، وتصنيعها للسلاح بديلا عن التهريب الذى توقف عبر الأنفاق، ما أوجد لدى حماس قلقا ولو مؤقتا بإمكانية أن تستغل إسرائيل هذا الانقلاب لاستكمال حربها الأخيرة، التى كان وجود مرسى أحد كوابح استمرارها حتى النهاية!
وهكذا، فقد كان لهذه الخطوات التصعيدية آثار كبيرة، لا تزال تجد أصداءها فى غزة، وتلقى بأعباء إضافية على حكومة حماس بصورة مرهقة، بعد أن تعطلت الآلاف من الأيدى العاملة فى مجال التجارة الخاصة بالأنفاق.
ثانيا- سيناريوهات الحالة المصرية، وانعكاسها على القطاع:
لا شك أن ما يحصل من حالة المغالبة التى تطغى على الأحداث المصرية، ورغبة طرف الانقلاب بتثبيت ما حصل، وجهود مؤيدى الرئيس المعزول بإعادته إلى القصر الجمهورى، تنعكس بصورة مباشرة على قطاع غزة، ويمكن هنا استعراض جملة من السيناريوهات المتوقعة فى المدى القريب:
السيناريو الأول: عودة مرسى إلى الرئاسة:
هناك من يرى بأن الرجل عائد عائد لا محالة، ولو ضمن ترتيبات معينة، أو صفقة ما بين أطراف الساحة المصرية، لكن هذه القناعة السائدة لا تعنى بالضرورة -فى ظل ما حصل على أرض الواقع من إجراءات ميدانية، وما تعيشه الساحة المصرية من تطورات متلاحقة- أن تعود غزة وحماس، كما كانت فى عهد مرسى، تنعم بأجواء التعاون الكبير والترحيب الرسمى، كما كان عليه الحال قبل الانقلاب.
فالرجل، إن عاد، سيكون مثقلا بأعباء داخلية هائلة، وستكون أجندته الرسمية ملأى بملفات تبدأ ولا تنتهى، ولن تكون غزة ضمن أولوياتها، ما يعنى أن أقصى ما سيقوم به، إن تمكن، هو التخفيف من حدة إجراءات الحصار، ووضع حدّ لحالة التحريض الداخلى ضد الفلسطينيين.
السيناريو الثانى: بقاء حالة الاستقطاب الداخلى:
وهذا سيكون له أثر سلبى فى تشديد الضغط على قطاع غزة، وإغلاق القاهرة فى وجه حماس، نظرا إلى عدم تفرغ العسكر لهذا الملف، واتساقهم مع السياسات الأمريكية وبعض سياسات الدول العربية التى باتت تناصب الحركة عداء واضحا؛ ليس لكونها حركة مقاومة تعارض مسار التسوية السلمية فحسب، ولكن لأنها أحد أجنحة جماعة الإخوان المسلمين، التى باتت ملاحقة فى عدد منها.
السيناريو الثالث: نجاح خريطة المستقبل التى وضعها قادة الانقلاب:
وهنا يجرى الحديث عن نهاية الفترة الانتقالية فى مصر، بعد بضعة أشهر، وحصول انتخابات رئاسية، سيفوز بها على الأرجح مرشح مدعوم من الجيش، وقد يكون من فلول النظام السابق أو من القوى الليبرالية. وهنا ستكون حماس على موعد مع استنساخ نظام مبارك، أقل قليلا أو أكثر كثيرا، لكنها ستراوح فى هذه الدائرة، من حيث اقتصار التعامل المصرى معها على البعد الأمنى فقط!
الخلاصة:
ربما يكون السيناريو المحبذ لقطاع غزة وحكومته هو عودة الشرعية الدستورية فى مصر، غير أن هذا الاحتمال لا يبدو مرجحا تماما فى الوقت الراهن. وعلى الحكومة التى تديرها حماس فى القطاع أن تضع فى اعتبارها وجود حكم غير ودِّى تجاهها فى الأشهر القادمة، وإذا ما استمرت الحملة ضد الإخوان المسلمين، فإن حماس ستأخذ نصيبها من هذه الحملة بسبب ارتباطها بالإخوان. كما أن هناك أطرافا عربية ودولية ستدفع باتجاه مزيد من التضييق على حماس وتشويه صورتها، ليس بسبب الوضع فى مصر فحسب، وإنما بسبب موقف حماس المعتمد على برنامج المقاومة والرافض مسار التسوية، وكذلك بسبب سيطرتها على قطاع غزة. ومن ثم فإن بعض القوى قد تسعى لاستغلال الوضع لدفع نظام الحكم فى مصر لاتخاذ إجراءات قاسية تجاه قطاع غزة وصولا إلى محاولة إسقاط حكم حماس للقطاع؛ تحت ذرائع محاربة الإرهاب وحماية الأمن القومى المصرى... وغيرها.
الاقتراحات والتوصيات:
1- تفويت الفرصة على «إسرائيل» فى استغلال الانشغال المصرى والعربى والعالمى بأحداث مصر، وشنّ عدوان عسكرى قاس، من خلال إجراء قوى المقاومة فى غزة مشاورات مكثفة، وتوحيد قرار التصعيد أو التهدئة بما يخدم الكل الفلسطينى، وتجنيب غزة ما قد يدبر لها إسرائيليا!
2- قيام حكومة حماس بحالة من الحشد الشعبى والاصطفاف الجماهيرى حولها، حتى لا تقع فى حالة من العزلة التى يراد فرضها عليها من قبل خصوم الداخل والخارج، والقيام بكل ما تستطيع من إجراءات اقتصادية لتخفيف حدة الحصار التى زادت مع الإجراءات المصرية.
3- عدم وقوف حكومة حماس فى حالة الدفاع عن النفس أمام حملة الشحن والتحريض، التى تمارس عليها وعلى الفلسطينيين فى غزة من قبل بعض وسائل الإعلام المصرية، بل المبادرة إلى شنّ حملة مضادة تبرز حرصها على الأمن المصرى، وجمع توقيعات من الداخل المصرى لتبرئة ساحتها، ورفع دعاوى قضائية ضدّ من يُشهِّر بها، ويتهمها من غير سند قانونى.
4- مطالبة بعض الأطراف الفلسطينية فى رام الله، والتى سعت لاستغلال الانقلاب فى مصر فى تقديم تقارير مشوهة وكاذبة حول حماس والقطاع، بالكف عن ذلك؛ لما له من انعكاسات سلبية على ملف المصالحة، وعلى الشعب الفلسطينى فى القطاع.
 
انشر هذا الموضوع :

انضم لمدونة نهضة مصر

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
نهضة مصر