كان واضحاً منذ البداية للعقلاء الذين يمتازون بحاسة بُعد النظر أن ترحيب الإمارات بحكم العسكر الذي أثلج صدور الانقلابيين لن يدوم طويلاً ولن تهنأ به فلول الدولة العميقة بمصر التي بّنت أوهاماً وقصورا مشيدة من أحلام اليقظة بعد مساعداتها بملايين أو مليارات الدراهم لمصر وما سال له لُعاب الشارع المصري كان الخبر الأهم حين طالعتنا الصحف والشاشات أن الإمارات الشقيقة سوف ترسل 100 ألف رأس ماشية ابتهاجاً بمقدم المشير السيسي إليها بمناسبة زيارته الميمونة الخاطفة رغم أننا مازلنا بانتظار قطيع رؤوس الماشية ولا ندري هل وصلت بالفعل أم أنها في الطريق أم أنها شرخت – مع الاعتذار لمسرحية الجوكر - أو ربما أتت بليل ولم ينل الشعب المصري المطحون منها كيلو لحمة أو حتى مجرد ’’عضه‘‘ يتقوت بها من فزع جحيم الأسعار بعد الانقلاب الذي باركوه.
ثم لا ننسى الموقف السعودي الذي كان له دور فعال في مساندة الانقلاب ماديا بتحويل شيكاته البنكنوتية لحل أزمة المصارف المصرية أو معنويا باتفاقه مع الإمارات على عزل دولة قطر الشقيقة التي اتهموها بتمويل الإرهاب أو أنها فتحت أبواب مطاراتها على مصراعيها لتأويهم وتوظيفهم وتجنيسهم وكان الهاجس الأكبر لدى الانقلابيين ودولتي الخليج هو ترحيل فضيلة الداعية الشيخ القرضاوي من قطر الذي مثل عبأ عليهم واعتبروه شوكة في حلوقهم منذ البداية والرجل أعلنها صريحة من منبره أنه يكن الحب والتقدير للإمارات والسعودية وقطر حكومة وشعبا ولكن الحقد الأسود بقلب الانقلاب اضمر للشيخ سوء النية كراهية في الإخوان لدرجة أنه بات جزءً لا يتجزأ من الأزمة بين اتحاد الإمارات والسعودية وبين دولة قطر.
أما الحقيقة الكامنة فقد تكشفت أبعادها للانقلابيين مؤخرا وهو أن إتحاد دول الخليج أقوى من زوبعات الفنجان الذي انقلب بسحره على الساحر حيث يمثل الخليج نسيجاً واحداً مهما اختلفت وجهات النظر، ولا أصدق دليل على الترابط المتين هذا الموقف الذي حدث أثناء ذروة الأزمة بين أبو ظبي والدوحة حيث برهن الشيخ محمد بن راشد على جوهره المكنون بدرته المصون ’’قصيدة شعر‘‘ اختص بها إحدى الصحف القطرية أكدت سمو ورفعة العلاقة بين القطر الواحد ثم قام بحضور مأدبة غداء أقامها مواطن قطري في دبي وكأن فضيلة الشيخ بن راشد أراد أن يوجه رسالة إلى الداخل والخارج كما يقول المثل المصري (الداخل بيننا مفقود) وبالفعل ازيلت خلافات وجهات النظر بين السعودية والإمارات وقطر بدون أى شرط أو قيد أنملة.
ولمن لا يعلم تاريخ قطر والسعودية وعمق العلاقة الأسرية بينهما أن القطرين في حكم البلد الواحد حيث مازالت وصية الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود لأبنائه وأحفاده خيرا بقطر التي لجأ حاكما الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني عند تأسيسه للمملكة السعودية فأمده بالمال والسلاح والرجال، لينطلق نحو تأسيس المملكة في وقت تخلى عنه الكثيرون من حكام وشيوخ قبائل الجزيرة العربية، أما العلاقة مابين مصر والإمارات فهي علاقة ’’البيزنس‘‘ كما يقولون فلم تمنح الإمارات الشقيقة أموالها بالمليارات لمصر محبة أو عشقا فى ’’سواد عيونها‘‘ فقد حصلت أمام كل دولار أراضي وحق إدارة ومشروعات بالأمر المباشر من الانقلابيين، وعلى صعيد المملكة العربية السعودية فقد أبدى مشايخها إستياء كبيرا من تمويل أرض الحرمين الشريفين لآلة القتل في مصر التي حصدت أرواح أغلى وعترة الشباب.
بالتأكيد رسالة ’’تنفيض‘‘ أيدي السعودية من انقلاب السيسي، قد وصلت في موعدها المحدد بعد أن قرر السيسي ترشحه لخوض الإستفتاء الأقرب منه إلى الانتخابات والشارع المصري مازال يغلى فوق صفيح ساخن رافضا الاعتراف بشرعيته المزيفة وانقلابه الدموي على رئيس جاء عبر الصناديق التي شهد بنزاهتها العالم وكل يوم يسقط قتلى والدماء تسيل رخيصة في الشوارع والطرقات والأزمات تشتعل مهددة بثورة إن استيقظت ستأتي على الأخضر واليابس.