مفاجأه || الادلة التي قدمتها الحكومة المصرية لبريطانيا لتثبت تورطهم فى عمليات فدائية ضد الانجليز !!

انشر هذا الموضوع :

الإخوان والإنجليز علاقة ودّ أم علاقة عداء ؟!


الإخوان المسلمون جماعة منذ نشأة كيانها ووجودها في الواقع العملي حتى الآن ، ما زال يحيطها كثير من التهم التي ربما لن تنتهي ما دامت الجماعة قائمة وبقوتها، ومن هذه التهم التي سمعناها وسنظل نسمعها، طبيعة العلاقة بينها وبين الإنجليز وأيضا بينها وبين الألمان وأيضا بينها وبين الأمريكان، وغيرها من التهم كعلاقتها بالملك وأحزاب الأقلية، وغيرها وغيرها. لقد فاجأنا اليوم الثلاثاء السادس من يوليو 2010م الكاتب البريطاني مارك كورتيس في صفحة الرأيبصحيفة الجارديان عن وجود علاقة بين الإخوان وبريطانيا، وأن الأخيرة دعمت الإخوان المسلمينللإطاحة بعبد الناصر، وأن بريطانيا قامت في البداية بتمويل الإخوان المسلمين سراً عام 1942م، ثم ذكر أن الصلة بين الطرفين توطدت بعد ذلك مع قيام الثورة. وفي عام 1956، عندما وقع العدوان الثلاثي تطورت اتصالات بريطانيا بالإخوان كجزء من مخطط للإطاحة بعبد الناصر، ولقد نقلت كثير من الصحف الخبر دون تدقيق أو تحليل أو موضوعية للحدث. وإن كان الكاتب لم يضف جديدا على هذه التهمة ولم يأت بدليل على الذي أثاره خاصة أن هذه التهم مثارة منذ زمن بعيد ولا يكل أحد من المناوئين للإخوان عن إثارتها بين الحين والآخر. لكن ما استوقفني في مقاله التواريخ التي ذكرها ليؤكد أوقات العلاقة، وأن الإخوان حصلوا على تمويل عام 1942م، وأنهم عام 1956م اتفق الطرفان على الإطاحة بعبد الناصر. ولو توقفنا وقفة متأنية وموضوعية حول ما أثاره الكاتب، ورجعنا للمراجع والوثائق التي ذكرت هذه الأحداث لوجدنا العكس تماما، ففي عام 1942م كان العداء بينالإخوان والمحتل البريطاني قد بلغ درجة كبيرة، خاصة في ظل التهديدات التي كانت تشكلها ألمانيا لبريطانيا في مصر، واجتياح ألمانيا للجيش البريطاني في غربمصر، وسوء الوضع بالنسبة للجيش البريطاني .. هذا تاريخ. والتاريخ الآخر وهو عام 1956م وأنهم اتفقوا على الإطاحة بعبد الناصر، فلا أدري هل قرأ الكاتب؟ ألم يدرك الكاتب أن هذا التاريخ كان الإخوان خلف الأسوار وفي آتون التعذيب، في السجن الحربي وليمان طره وفي الشمس المحرقة في سجن الواحات وأسيوط وغيرها من سجون مصر. من المعلوم أن الإخوان لهم ثوابت في كثير من القضايا لا يستطيعون تغييرها بتغيير الزمان، وكلها استمدوها من كتاب الله وسنة نبيه لا من خلال الطبيعة. إن علاقة الإخوان المسلمين بالإنجليز هي قضية قديمة منذ أن جثا المحتل على صدر بلادنا، واستنزف خيراتها، وسالمه أعوانه من أبناء الوطن أو الذين تربَّوا على مناهجه أو كان لهم مصالح شخصية ترتبط بالمحتل، ولم يعبأ الإنجليز بهؤلاء لأنهم كفَوه مؤونة الحرب، لكن الإنجليز نظروا إلى القوى التي كانت تحرك المظاهرات ضده بل كانت تكبِّده الخسائر من جراء قتل الجنود، أو سلب أسلحتهم أو تدمير معسكراتهم، أو تأليب لقد وقف الإخوان للإنجليز منذ البداية، وكانوا العقبة الكئود أمام مخططات السفارة البريطانية؛ فرأينا الإخوان كيف كان موقفهم في حرب فلسطين، ثم حرب القنال عام 1951م، وكيف أنهم أقلقوا مضاجع الإنجليز!. الإخوان والإنجليز والسؤال الآن ردا على الذين يزعمون أن الإخوان تعاونوا مع المحتل: كيف تعاون الإخوان مع الإنجليز وهم الذين وقفوا أمام حملاتهم التنصيرية؟ فقد رفعوا النداء تلو النداء للملك وللهيئات الإسلامية بل أخذوا يتتبعون هذه الحملات في المدن والقرى ويفضحون مخططاتهم، بالرغم من أن الإنجليز كانوا يرعون هذه الحملات، كما أنهم أنشأوا المدارس والملاجئ التي تصدت للتنصير حتى دفع الأمر الإنجليز إلى أن يطلبوا من حسين سري باشا رئيس الوزراء إغلاق مجلة التعارف و(المنار) الخاصةبالإخوان عام 1941م، بل لم يقتصر الأمر على ذلك فطلب الإنجليز من حسين سري أيضًا أن ينقل حسن البنا إلى الصعيد، وقد تم ذلك في مايو عام 1941م ونُقِل إلى قنا، وذلك كما ذكر محمد حسين هيكل في مذكراته (مذكرات في السياسة) غير أنه سرعان ما عاد حسن البنا تحت الضغط الشعبي، لكنه اعتُقل في شهر أكتوبر من نفس العام وظل في معتقل الزيتون لمدة شهر. ولقد حاول الإنجليز رشوة الإخوان وإعطاءهم المال حينما أوفدوا المستشرق البريطانى هيورث دان لإجراء اتصالات مع الإخوان، وطلب منهم دعم الإنجليز ضد الألمان فى مقابل تقديم الإنجليز دعمًا ماليًا للإخوان قدره عشرون ألف جنيه. غير أن الأستاذ أحمد السكري (وكيل الجماعة آنذاك رد عليهم بقوله –كما أوردت جريدة الإخوان المسلمين، العدد 10 ،صـ9 الموافق 22 ذو القعدة 1373هـ / 22يوليو 1954م-: ألا فلتعلم يا مستر دان أنك لن تستطيع أن تشترينا بالمال .. إن الشعوب التى تعاونكم بالنقود تبيعكم بالنقود. وأضاف: إذا كنت تريد أن تشترى الإخوان ومن ورائهم الشرق العربي فهناك شروط: 1-عليكم أن تتفقوا معنا على الجلاء التام الناجز عن وادي النيل. 2-عليكم أن تتفقوا مع فرنسا على إخلاء سوريا ولبنان من جنودها. 3-عليكم أن تخلوا فلسطين للعرب. 4-عليكم أن تمدونا بالأسلحة والمعدات، ونحن مستعدون لطرد الطليان وحكومة فيشى من شمال أفريقيا، ونحمى بلادنا من أى غزو أجنبى". وهنا وقف دان وقال: "هذه سياسة عليا، وإنما مهمتي عمل الدعاية فقط، وعلى كلٍّ فسأحضر مستر كلايتون بعد ذلك. وحينما التقى مستر كلايتون –اللورد كليرن- بالإمام البنا عرض عليه أن يجدد الإنجليز للإخوان مركزهم العام وجريدتهم الأسبوعية وجعلها يومية والإنفاق عليها، وتوفير وسيلة نقل للمرشد العام، ثم قال للإمام البنا: " ولا بأس أن نبدأ بدفعة أولى خمسين ألف جنيه أو مائة ألف، ويتوالى الأمر بعد ذلك كل شهرين أو ثلاثة أو أربعة نزيدها أو نقدم مثلها" وأضاف " يمكن أن نجعل الدفعة الأولى خمسمائة ألف". فرد عليه الإمام البنا بقوله: "إن الرجل من الإخوان يدفع اشتراكًا فى الدعوة خمسة قروش فى الشهر، وأيسر الإخوان حالا قد يدفع جنيهًا، هذا فى الظروف العادية، أما عند الحاجة فالرجل من الإخوان لا يملك إلا أن يقدم نفسه وماله وبيته للدعوة؛ لذا فنحن لسنا فى حاجة إلى أن نملأ هذه الخزائن الحديدية؛ لأن خزائننا هى قلوبالإخوان؛ ولهذا فلو شئت سأجمع من هؤلاء الرجال مئات الآلاف فى أقل من أسبوع، فنحن لسنا كأى هيئة لقيتها من قبل" ثم أضاف " وأنصحك أن توفر كل قرش لخزينة بلادك؛ لأننا لن نقبل شيئًا من مثلكم، كما أن الزعماء الذين تشترونهم بأموالكم لا يملكون إلا أنفسهم، أما الشعوب فلن تقبل بغير استقلالها التام مهما كلفها من ثمن". فهذا هو وضع الإخوان مع الإنجليز وعندما جاءت وزارة الوفد أراد الإمام البنا الترشيح لمجلس النواب عام 1942م، غير أنه ما إن علم الإنجليز حتى ضغطوا على النحاس باشا بأن يضغط على حسن البنا بالتنازل عن الترشيح ففعل وتنازل الإمام البنا تحت الضغط، ليس ذلك فحسب، بل حاولوا أكثر من مرة اغتياله أو حل جماعته كما ورد في صحيفة روزاليوسف تحت عنوان (4 محاولات لحل جماعة الإخوان المسلمين) العدد (1035)، 4 جمادى الآخرة 1367هـ/ 13 أبريل 1948م، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل قام الإنجليز- بمعاونة أحمد ماهر رئيس الوزراء- بتزوير الانتخابات لصالح سليمان عيد المحسوب على الإنجليز والذي كان يمد المعسكرات الإنجليزية بكل شيء، وما دور الإخوان في حرب فلسطين بمستخفٍ عن أحد وهو الذي دفع الإنجليز للضغط على النقراشي لحل الإخوان واعتقال أفرادها. لقد زاد اضطهاد الإنجليز للإخوان بعد ظهورهم بمظهر القوة في حرب فلسطين عام 1948م؛ حيث أثبتوا أنهم قوة ضاربة تستطيع أن تزعزع أركان المحتلالإنجليزي، يقول الإمام البنا: "لقد تواطأ الإنجليز مع اليهودية العالمية منذ سنة 1917 على الأمة العربية وسجلت الحكومة البريطانية على نفسها هذا التواطؤ بوعد بلفور المشئوم، ثم اغتصبت البلاد من أهلها العرب عقب الحرب العالمية الأولى وحكمتها باسم الانتداب الباطل، فجارت في حكمها، ويسرت لليهود كل السبل ليتملكوا الأرض وينشئوا المستعمرات، وأغرتم بالتسلح والتدريب والتحصين وهيأت لهم وسائل ذلك كاملة، وأمدتهم بالسلاح والذخيرة، وسمحت لهم بإنشاء المعامل وإقامة المصانع ظاهرة، ومستورة في تل أبيب وغيرها، وكل هذا في الوقت الذي كانت تؤخذ فيه العرب أشد المؤاخذة بأتفه الأسباب، وتحكم بالإعدام على كل من تقع عليه شبهة حمل السلاح أو حيازة السلاح". ولقد دفع ذلك اللواء فؤاد صادق قائد الجيش المصري في فلسطين طلب النياشين لبعض الإخوان، فصدر الأمر الملكي بمنحهم نوط الشرف العسكري من الطبقة الأولى من المتطوعين غير العسكريين، هذا غير الضباط وعساكر الجيش الذين حصلوا على نوط الشرف العسكري (جريدة الأهرام الموافق 4 مارس 1949م). كانت هذه هي العلاقة بين الإخوان والإنجليز وتتضح من خلال ما كتبه الإمام البنا كما يتضح أكثر من خلال مقال كتبته فتاة يهودية تدعى "روث كاريف" ونشرته لها جريدة الصنداي ميرور في مطلع عام 1948م، ونقلته جريدة المصري لقرائها في حينه تقول فيه: "إن الإخوان المسلمين يحاولون إقناع العرب بأنهم أسمى الشعوب على وجه البسيطة، وأن الإسلام هو خير الأديان جميعًا، وأفضل قانون تحيا عليه الأرض كلها"، ثم استطردت تصف خطورة حركة الإخوان إلى أن قالت: "والآن وقد أصبح الإخوان المسلمون ينادون بالاستعداد للمعركة الفاصلة التي توجه ضد التدخل المادي للولايات المتحدة في شئون الشرق الأوسط، وأصبحوا يطلبون من كل مسلم ألا يتعاون مع هيئة الأمم المتحدة، فقد حان الوقت للشعب الأمريكي أن يعرف أي حركة هذه، وأي رجال يتسترون وراء هذا الاسم الرومانتيكي الجذاب اسم "الإخوان المسلمين"". ومن ثم اجتمع سفراء الإنجليز وأمريكا وفرنسا في مدينة فايد في 11 نوفمبر 1948م وطلبوا من النقراشي باشا إصدار قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين، فكما جاء في الوثيقة الممهورة بإمضاء الماجور (أوبريان ماجور) السكرتير السياسي للقائد العام للقوات البرية البريطانية في الشرق الأوسط والتي جاء فيها أنها مرسلة إلى رئيس إدارة المخابرات رقم (13) تحت رقم قيد: (1843 /أى/ 48) يعلمه فيها باجتماع السفراء واتخاذ قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين عن طريق السفارة البريطانية، فرفع الكولونيل (أ. م. ماك درموث) رئيس المخابرات البريطانية هذا الأمر تحت رقم قيد (1670/ أ ن ت/ 48) إلى إدارة: ج . س . 3 بتاريخ 20/11/1948م، ليعلم حكومة الملكة بذلك، وفعلاً كلف السفير البريطاني النقراشي باشا باتخاذ الإجراءات اللازمة للحل. وفي عهد الثورة وفي التاريخ المذكور كان الإخوان خلف القضبان محكوم عليهم بالمؤبد وعشرات السنين.


الإخوان المسلمون والأسلحة والانجليز !

جاء علي صفحات إحدى المجلات الأسبوعية " أن نقطة اللارجعة بين الإخوان والحكومة "جاءت في يناير سنة 1954 عندما تبين لعبد الناصر أن حسن العشماوي قد زار الوزير المفوض البريطاني في مصر في بيته زيارتين طويلتين في العاشرة من ذلك الشهر أولاهما في السابعة صباحا والثانية امتدت حتى منتصف الليل . وحسن العشماوي وجمال عبد الناصر الآن في دار الحق .. حسابهما عند ربهما حسب ما قدم كل منهما إن خيرا وإن شرا وعلينا ونحن في دار الفناء أن نضع نصب أعيننا هذا المصير الحتمي فنلتزم الحق ونقره ولو علي أنفسنا ونعدل به ونعدل فيه التزاما بقوله سبحانه : " لا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا . اعدلوا هو أقرب للتقوى " وما كان بين حسن العشماوي وجمال عبد الناصر من صداقة لم يكن له مثيل بين صديقين . لذلك وجب علي كل من يتناول العلاقة بينهما أن يتحري الصدق والإنصاف ويبتعد عن طمس الحقائق أو تحريفها . والحقيقة التي أشهد الله عليها وألقاه بها أن المرحوم الأستاذ حسن العشماوي لم يقابل المستر كروزول الوزير المفوض البريطاني في مصر في ذلك الحين لا في بيته ولا في غير بيته: أولاً: يدعون أن الزيارة المزعومة قد حدثت في العاشرة من يناير سنة 1954 علي دفعتين الأولي في السابعة صباحا والثانية امتدت إلي قرب منتصف الليل ولم يقل لنا متى بدأت . والحقيقة التي تبطل كذب القوم أن الأستاذ حسن العشماوي في ذلك اليوم وما قبله وما بعده كان معتقلا في السجن الحربي مع الكثير من إخوانه بأمر من صديقه جمال عبد الناصر . ثانياً: في صيف 1953 نشرت بعض الصحف المصرية نبأ كاذب عن مثل هذه الزيارة . والحقيقة أنه كانت هناك اتصالات بين الحكومة والإخوان والمسلمين من ناحية والإنجليز من ناحية أخري بخصوص الجلاء عن البلاد , وكنت وأخي المرحوم الأستاذ منير الدلة مكلفين من قبل فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين رضي الله عنه وأرضاه بالاتصال بالسكرتير الشرقي للسفارة البريطانية المستر " ايفنز " . بناء علي رغبة السيد جمال عبد الناصر لتعزيز موقف المفاوض المصري . وإلي ذلك الحين كانت صلة حسن العشماوي بعبد الناصر علي أحسن ما تكون الصلة . ولم يكن هناك داع لأن يخفي عن صديقه شيئا . ثالثاً: في بيان للسفارة البريطانية كذبت ما ذكرته الصحف ، ولكنها لم تتعرض فيه للمقابلات التي تمت برغبة وبعلم من الحكومة . بيننا وبين ايفنز ، ولم تصدر أي جهة رسمية تعقيبا علي ذلك . رابعاً: أخبرني الوزير المفوض الأستاذ محمد المنشاوي وكان وقتها مديرا لمكتب وزير الخارجية أن السيارة " الاوستن " التي ظنت المخابرات المصرية أنها سيارة حسن العشماوي لم تكن إلا سيارة سكرتيرة المستر كروزول الوزير المفوض في السفارة البريطانية . خامساً: تشددنا – كي تستند ونشد من أزر المفاوض المصري – في مشروعاتنا مع الإنجليز عرضوا علينا عروضا لم تعرض علي مفاوض مصر من قبل ووقفنا عند الجلاء التام بلا أي شرط مقابل وقوف مصر علي الحياد بين الكتلتين – فكنا أول من نادي بالحياد ، وكل هذه المحادثات بالطبع كانت تصل عبد الناصر أولا بأول وذلك بحضور كمال الدين حسين وصلاح سالم . وعندما استشعر عبد الناصر أن الثمرة في سبيلها إلي النضوج أراد إخراج الإخوان المسلمين من الصورة فافتعل حادث جامعة القاهرة واتخذه ذريعة لاعتقال مجموعة كبيرة من الإخوان المسلمين في الجامعة وغير الجامعة وكنا ضمن المعتقلين في السجن الحربي من أول يناير سنة 1954 وأصدر بيانا يتهم الإخوان المسلمين بالاتصال بالإنجليز من خلق الحكومة ، وكأن الأمر لم يكن بتخطيط وبرغبة وباتفاق وبطلب منه .. وقال إن هذا الاتصال كان لقلب نظام الحكم .. وقلنا يا للعجب .. حسبنا الله ونعم الوكيل . سادساً: اشتدت الأزمة في مارس سنة 1954 وهددت الأوضاع وبعث إلينا الرئيس جمال عبد الناصر في السجن الحربي بوفد مكون من الأستاذ محمد أحمد والمرحوم فؤاد جلال والمرحوم محيي الدين أبو العز للتفاهم معنا علي تعاون بيننا وبينه من أجل الصالح الوطني .. وقلنا لهم : وكيف ذلك وقد أصدرت الحكومة بيانا تتهمنا بمؤامرة وباتصالات كاذبة وبحيازة أسلحة للتأمر وعزبة حسن العشماوي . مع أنها أسلحة عبد الناصر نقلناها بطلب منه من مكاتب في الثكنات لرفع الحرج عنه ووضعناها في عزبة حسن عشماوي بعلم وبرأي منه فكيف نخرج في ظل اتهامات الحكومة أدري الناس ببطلاتها وكذبها . وعرض الأستاذ محمد أحمد الأمر علي عبد الناصر فاقترح أن يزور المرشد في بيته ومعه كل الأخوة الذين جاء ذكرهم في بيانات الحكومة وذلك بمجرد خروج المرشد فورا إلي بيته .. وحرصا علي المصلحة قلنا .. لا مانع .. تتهم بالأمس بالخيانة وتطالب اليوم بمد أيدينا تعاونا وباسم المصلحة العامة .. وفعلا وصل السيد جمال عبد الناصر ومعه السيد صلاح سالم إلي بيت المرشد بعد خروجه من المعتقل .. ونقلت الإذاعة والصحف أخبار هذه الجلسة . وفي هذه الجلسة لم يحضر حسن العشماوي رحمه الله فقد آلمه مسلك صديقه .. وما نسب إليه في بيانات رسمية هو بريء منه . وبعد يومين وبعد توديع الملك سعود ونحن في مطار ألماظة الحربي أصر الرئيس عبد الناصر والسيد عبد اللطيف البغدادي علي أن أتناول معهم طعام الإفطار في " ميز المطار " وكان جلوسي بجوار عبد الناصر ، وسألني " فين حسن .. " قلت : زعلان ، وله عندك حق عرب ، قال : صحيح ما أنتم عرب . أنا حصالحه ... طيب فكره أنني عملت له دعاية بمليون جنيه . وعلي هذا النحو كانت علاقاتنا مع عبد الناصر ، ولم يكن اتصال جري بيننا وبين ايفانز بعلم من عبد الناصر وبرغبة وبموافقة وتخطيط مشترك لشد أزره في المفاوضات – مدعاة لنقطة اللارجعة التي يني عليها البعض استنتاجاتهم فيما وجد بعد ذلك من علاقات بين عبد الناصر والإخوان المسلمين . ومن أجل ذلك نقول أن المرحوم حسن العشماوي قد ظلم حيا وميتا ، ونقول أيضا أن ما بناه البعض علي هذه الواقعة منهار من أساسه . وأن نقطة اللارجعة كانت كامنة أصلا في نفوس معروفة ترجمتها بعد ذلك إلي أبشع صنوف التعذيب وأقصي أنواع الإهدار لكرامة الإنسان المصري وإنسانيته .. بالتقتيل .. والتعذيب .. وغير ذلك مما وقع علي الإخوان المسلمين ظلما وعدوانا ولا أحسب أن أمرا منه ظل طي ما كان يراد له من تكتم أو كتمان .. فقد ذاع في حينه وانتشر أمره في كل صحف العالم وإذاعاته .. والقول بأنه تم بلا علم من رئيس الجمهورية حينئذ .. فيه مغالطة لا أحسب إلا أنها مقصودة . ومع ذلك يحتسب أهل الحق لله في كل ما أصابهم من إيذاء وتعذيب سائلينه حسن الأجر والثواب فكل شيء يهون في سبيله . لا يتشفون فيمن آذوهم وهم يرون مصارعهم ويسمعون عن مخازيهم ... " فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله .. والله عنده حسن الثواب . لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد .. متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ".


الإخوان والعمالة للإنجليز

بلا شك كثير من الذين يهتمون بشئون جماعة الإخوان المسلمين قد لفت نظرهم مسلسل الجماعة التي تذيعه قنوات التليفزيون المصري، ومهما كان الغرض من عرض المسلسل فهذا لا يهمنا بقدر ما يهمنا الحقائق والتي حاول الكاتب تزيفها وتشويه صورة رجل قدم ما لديه بكل إخلاص حتى نهاية حياته والتي انتهت باستشهاده وفاضت روحه إلى بارئها. لقد حاول مؤلف هذا المسلسل ومن يقف خلفه أن يلصقوا تهمة العنف والغضب الدائم وحب السيطرة والأنانية على شخصية الإمام البنا خاصة وعلى جماعة الإخوان المسلمين عامة، معتبرين أن مؤسس هذه الجماعة عاش وتربى على العنف وكنتيجة لذلك لابد أن يكون قد ربى إخوانه على نفس المبادئ، وهذا ما ظهر جليا في المسلسل. ولكن مهما تكون نوايا المؤلف فالمهم أن تكون وقائع التاريخ حقيقية فلا يزيف حقيقة يعرفها القاصي والداني. لقد لفت نظري أن المؤلف حاول منذ أن أنشأ حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين أن يظهره أنه أداة طيعة في يد الإنجليز وأن الإنجليز يستخدمون حسن البنا لبث بذور الفرقة بين المجتمع المصري، وأنه سيكون سببا لتمكين الانجليز من تفرقة كلمة ووحدة المسلمين سواء في مصر أو في العالم الإسلامي. لكن لا أدري هل يدرك وحيد حامد وغيره أن الإمام البنا والإخوان لهم ثوابت في كثير من القضايا لا يستطيعون تغييرها بتغيير الزمان، وكلها استمدوها من كتاب الله وسنة نبيه لا من خلال الطبيعة، ولذا سيظل الإخوان متمسكين بثوابتهم. إن هذه التهم التي تناولها وحيد حامد نحو الإخوان المسلمين ليست بتهم جديدة؛ فمنذ نشأة الجماعة عام 1928م، وتبوئها مكانتها وقد انهالت عليها الأقلام من كل اتجاه؛ تشكك فيها وأنها تارة عميلة للإنجليز، وتارة عميلة للألمان، وتارة عميلة للملك، وتارة أخرى عميلة لأحزاب الأقلية. فلم ينصف كثير من كتَّاب ومؤرّخي التاريخ جماعة الإخوان المسلمين؛ فكثير منهم كتب التاريخ وقد تملكته الأهواء الشخصية أو الحزبية. إن قضية علاقة الإخوان المسلمين بالإنجليز هي قضية قديمة منذ أن جثا المحتل على صدر بلادنا، واستنزف خيراتها، وسالمه أعوانه من أبناء الوطن أو الذين تربَّوا على مناهجه أو كان لهم مصالح شخصية ترتبط بالمحتل، ولم يعبأ الإنجليز بهؤلاء لأنهم كفَوه مؤونة الحرب، لكن الإنجليز نظروا إلى القوى التي كانت تحرك المظاهرات ضده بل كانت تكبِّده الخسائر من جراء قتل الجنود، أو سلب أسلحتهم أو تدمير معسكراتهم، أو تأليب الشعب ضدهم، وكان الإخوان أحد هؤلاء الذين لم يرضَ عنهم الإنجليز بسبب اختلاف منهجهم عن منهج المحتل، بل اختلاف طبيعة الحياة لدى الطرفين؛ فالإنجليز يريدون السيطرة على البلاد، والإخوان يريدون تحرير البلاد والاستقلال بها، والنهوض بها اقتصاديًّا وفكريًّا وسياسيًّا، ولم يكن الإخوان الوحيدين في هذا المجال بل عاونهم المخلصون من أبناء هذا الوطن. لو نظرنا لمؤرخي التاريخ الذين كتبوا التاريخ بطبيعته، فكانوا نموذجًا محايدًا من الكتَّاب، أنكروا أن يتفق الإخوان مع الإنجليز لحظةً قط، وأن الذي يتهمهم بذلك كانوا من الموالين للإنجليز أو الأحزاب أو الملك، أو السلطة؛ لأن طبيعة العلاقة كانت دائمة بين الطرفين على النقيض والتوجس والخيفة، وكان الصراع هو القاسم المشترك بينهم؛ لأن الإنجليز يحتلون البلاد والإخوان لا يرضون بذلك الاحتلال.

لقد وقف الإخوان للإنجليز منذ البداية، وكانوا العقبة الكئود أمام مخططات السفارة البريطانية؛ فرأينا الإخوان كيف كان موقفهم في حرب فلسطين، ثم حرب القنال عام 1951م، وكيف أنهم اقلقوا مضاجع الإنجليز!. والسؤال الآن ردا على الذين يزعمون أن الإخوان تعاونوا مع المحتل: كيف تعاون الإخوان مع الإنجليز وهم الذين وقفوا أمام حملاتهم التنصيرية؟ فقد رفعوا النداء تلو النداء للملك وللهيئات الإسلامية بل أخذوا يتتبعون هذه الحملات في المدن والقرى ويفضحون مخططاتهم، بالرغم من أن الإنجليز كانوا يرعون هذه الحملات، كما أنهم أنشأوا المدارس والملاجئ التي تصدت للتنصير حتى دفع الأمر الإنجليز إلى أن يطلبوا من حسين سري باشا رئيس الوزراء إغلاق (مجلة التعارف) و(المنار) الخاصة بالإخوان عام 1941م، بل لم يقتصر الأمر على ذلك فطلب الإنجليز من حسين سري أيضًا أن ينقل حسن البنا إلى الصعيد، وقد تم ذلك في مايو عام 1941م ونُقِل إلى قنا، وهذا ثابت في مذكرات محمد حسين هيكل باشا (مذكرات في السياسة) غير أنه سرعان ما عاد حسن البنا تحت الضغط الشعبي، لكنه اعتُقل في شهر أكتوبر من نفس العام وظل في معتقل الزيتون لمدة شهر. وعندما جاءت وزارة الوفد أراد الإمام البنا الترشيح لمجلس النواب عام 1942م، غير أنه ما إن علم الإنجليز حتى ضغطوا على النحاس باشا بأن يضغط على حسن البنا بالتنازل عن الترشيح، وإلا فسيعاود الانجليز احتلال البلاد خاصة القاهرة والأسكندرية بعد انسحابهم منها، ففعل وأبلغ الإمام البنا بذلك بعد أن قابله في فندق الكونتنيتال بالقاهرة، ومن ثم تنازل الإمام البنا تحت الضغط، كما حاول اللورد كليرن إغراء الإمام البنا بالمال مقابل أن تكف الجماعة عما تمارسه ضد المحتل وذلك عندما زار مستر كلايتون وهيورث دان المركز العام في أغسطس من عام 1940م، إلا أن الإمام البنا نهرهم؛ وقال له: ستجد التعاون معى هو أصعب الطرق على بريطانيا؛ لأنى لا أستطيع إلا المكاشفة، فقال كلايتون: وأنا أتعهد بالعمل لذلك، وليكن برهان صدقى على ما التزمت به أن أعرض عليكم كل ما أستطيع أن أقدمه لتقوية جماعتكم لإعطائها الفرصة للانتشار والقوة. فقال له الإمام البنا: كيف ذلك؟ قال: أنتم جماعة مجاهدة، لو وجدت وسائل مستحدثة لحققت للإسلام أضعاف ما تحققه الآن، فبدلا من جريدتكم المتواضعة يكون لكم جريدة يومية، وسأضع تحت تصرفكم ما تشاءون من المال ومن أجهزة الطباعة وتجهيز المكاتب التى تصلح للجريدة. قال له الإمام البنا: ثم ماذا يا مستر كلايتون؟ قال: إن المركز العام الحالى لا يليق بمكانة الجماعة، فيجب أن يكون لكم مركز رئيسى فى حى كبير من أحياء القاهرة مهيأ بأحدث الوسائل، كما يجب أن يكون تحت تصرفكم وسائل انتقال سريعة تساعدكم فى السفر لكافة الأقاليم؛ خاصة أن للجماعة فروعًا منتشرة من الإسكندرية إلى أسوان، بالإضافة إلى توفير المال اللازم لخدمة أغراضكم الإسلامية، ولا بأس أن نبدأ بدفعة أولى خمسين ألف جنيه أو مائة ألف، ويتوالى الأمر بعد ذلك كل شهرين أو ثلاثة أو أربعة نزيدها أو نقدم مثلها. إن الحلفاء مهما يكن فيهم من العيوب فهم من الناحية الدينية أقرب من الفاشيست، وهم على الأقل يعبدون إلهًا بعكس النازيين. فقال له الإمام البنا: إنك إذا فتحت خزائن الإخوان فقد لا تجد فيها خمسين جنيهًا أو أقل، إن الرجل من الإخوان يدفع اشتراكًا فى الدعوة خمسة قروش فى الشهر، وأيسر الإخوان حالا قد يدفع جنيهًا، هذا فى الظروف العادية، أما عند الحاجة فالرجل من الإخوان لا يملك إلا أن يقدم نفسه وماله وبيته للدعوة؛ لذا فنحن لسنا فى حاجة إلى أن نملأ هذه الخزائن الحديدية؛ لأن خزائننا هى قلوب الإخوان؛ ولهذا فلو شئت سأجمع من هؤلاء الرجال مئات الآلاف فى أقل من أسبوع، فنحن لسنا كأى هيئة لقيتها من قبل. وأمسك الإمام البنا بعباءته وجلبابه وقال له: هذه العباءة بمبلغ ثمانين قرشًا مصريًا، وهذا الجلباب بمبلغ عشرين قرشًا مصريًا؛ فثمنهما جنيه واحد؛ فالذى يلبس بجنيه ويوفر ما بقى من راتبه للدعوة ومعه الآلاف من الإخوان على شاكلته لا يحتاجون لمساعدة أحد والحمد لله. وأنصحك أن توفر كل قرش لخزينة بلادك؛ لأننا لن نقبل شيئًا من مثلكم، كما أن الزعماء الذين تشترونهم بأموالكم لا يملكون إلا أنفسهم، أما الشعوب فلن تقبل بغير استقلالها التام مهما كلفها من ثمن. وقد أعد الإمام البنا دعاء للقنوت عقب كل صلاة يوضح مدى هذا العداء؛ يقول: "اللهم رب العالمين، أمان الخائفين، ومذل المتكبرين، وقاصم الجبارين، تقبل دعاءنا، وأجب نداءنا، وأنلنا حقنا، وردّ علينا حريتنا واستقلالنا. اللهم إن هؤلاء الغاصبين من البريطانيين قد احتلوا أرضنا، وجحدوا حقنا، وطغوا فى البلاد؛ فأكثروا فيها الفساد، اللهم فَرُدّ عنا كيدهم، وفل حدهم، وفرق جمعهم، وخذهم ومن ناصرهم أو أعانهم أو هادنهم أو وادَّهم أخذ عزيز مقتدر. اللهم اجعل الدائرة عليهم، وسق الوبال إليهم، وأذِلّ دولتهم، وأذهب عن أرضك سلطانهم، ولا تدع لهم سبيلا على أحد من المؤمنين.. آمين". ليس ذلك فحسب، بل حاولوا أكثر من مرة اغتياله أو حل جماعته كما ورد في صحيفة "روزاليوسف" تحت عنوان (4 محاولات لحل جماعة الإخوان المسلمين) العدد (1035)، 4 جمادى الآخرة 1367هـ/ 13 أبريل 1948م، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل قام الإنجليز- بمعاونة أحمد ماهر رئيس الوزراء- بتزوير الانتخابات لصالح سليمان عيد المحسوب على الإنجليز والذي كان يمد المعسكرات الإنجليزية بكل شيء وذلك في انتخابات عام 1945م، وما دور الإخوان في حرب فلسطين بمستخفٍ عن أحد وهو الذي دفع الإنجليز للضغط على النقراشي لحل الإخوان واعتقال أفرادها.

لقد زاد اضطهاد الإنجليز للإخوان بعد ظهورهم بمظهر القوة في حرب فلسطين عام 1948م؛ حيث أثبتوا أنهم قوة ضاربة تستطيع أن تزعزع أركان المحتل الإنجليزي، يقول الإمام البنا: "لقد تواطأ الإنجليز مع اليهودية العالمية منذ سنة 1917 على الأمة العربية وسجلت الحكومة البريطانية على نفسها هذا التواطؤ بوعد بلفور المشئوم، ثم اغتصبت البلاد من أهلها العرب عقب الحرب العالمية الأولى وحكمتها باسم الانتداب الباطل، فجارت في حكمها، ويسرت لليهود كل السبل ليتملكوا الأرض وينشئوا المستعمرات، وأغرتم بالتسلح والتدريب والتحصين وهيأت لهم وسائل ذلك كاملة، وأمدتهم بالسلاح والذخيرة، وسمحت لهم بإنشاء المعامل وإقامة المصانع ظاهرة، ومستورة في تل أبيب وغيرها، وكل هذا في الوقت الذي كانت تؤخذ فيه العرب أشد المؤاخذة بأتفه الأسباب، وتحكم بالإعدام على كل من تقع عليه شبهة حمل السلاح أو حيازة السلاح". ولقد دفع ذلك اللواء فؤاد صادق قائد الجيش المصري في فلسطين طلب النياشين لبعض الإخوان، فصدر الأمر الملكي بمنحهم نوط الشرف العسكري من الطبقة الأولى من المتطوعين غير العسكريين، هذا غير الضباط وعساكر الجيش الذين حصلوا على نوط الشرف العسكري (جريدة الأهرام الموافق 4 مارس 1949م). كانت هذه هي العلاقة بين الإخوان والانجليز وتتضح من خلال مقال كتبته فتاة يهودية تدعى "روث كاريف" ونشرته لها جريدة (الصنداي ميرور) في مطلع عام 1948م، ونقلته جريدة (المصري) لقرائها في حينه تقول فيه: "إن الإخوان المسلمين يحاولون إقناع العرب بأنهم أسمى الشعوب على وجه البسيطة، وأن الإسلام هو خير الأديان جميعًا، وأفضل قانون تحيا عليه الأرض كلها"، ثم استطردت تصف خطورة حركة الإخوان إلى أن قالت: "والآن وقد أصبح الإخوان المسلمون ينادون بالاستعداد للمعركة الفاصلة التي توجه ضد التدخل المادي للولايات المتحدة في شئون الشرق الأوسط، وأصبحوا يطلبون من كل مسلم ألا يتعاون مع هيئة الأمم المتحدة، فقد حان الوقت للشعب الأمريكي أن يعرف أي حركة هذه، وأي رجال يتسترون وراء هذا الاسم الرومانتيكي الجذاب اسم "الإخوان المسلمين"". ومن ثم اجتمع سفراء الإنجليز وأمريكا وفرنسا في مدينة فايد في 11 نوفمبر 1948م وطلبوا من النقراشي باشا إصدار قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين، فكما جاء في الوثيقة الممهورة بإمضاء الماجور (أوبريان ماجور) السكرتير السياسي للقائد العام للقوات البرية البريطانية في الشرق الأوسط والتي جاء فيها أنها مرسلة إلى رئيس إدارة المخابرات رقم (13) تحت رقم قيد: (1843 /أى/ 48) يعلمه فيها باجتماع السفراء واتخاذ قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين عن طريق السفارة البريطانية، فرفع الكولونيل (أ. م. ماك درموث) رئيس المخابرات البريطانية هذا الأمر تحت رقم قيد (1670/ أ ن ت/ 48) إلى إدارة: ج . س . 3 بتاريخ 20/11/1948م، ليعلم حكومة الملكة بذلك، وفعلاً كلف السفير البريطاني النقراشي باشا باتخاذ الإجراءات اللازمة للحل. إن كل لبيب مخلص لهذا الوطن يدرك تمامًا حقيقة العلاقة بين الإخوان وغيرهم من الغرب، وما يحمله الإخوان نحو وطنهم الكبير الإسلامي، كما أنهم من أحرص الناس على وطنهم مصر. وليست هذه الحقائق التي عمل وحيد حامد على تزيفها لكن عمل أيضا تزيف حقيقة جوالة الإخوان وبين أنها نشأت منذ أن كان الإمام البنا بالإسماعيلية وأنهم كانوا يتدربون على وسائل القتال، وهذا تزيف أخر لنا وقفه معه في مقال أخر.


موقف الإخوان من المفاوضات مع الإنجليز

مقدمة كان لبريطانيا دورها الكبير في تثبيت الأقدام اليهودية على الأراضي الفلسطينية، سواء من خلال المساعدات المستمرة لليهود بالأسلحة والتدريب والأموال، أو من خلال المؤتمرات والمعاهدات من خلال المفاوضات مع بعض رجال الدول العربية الذين نجحوا في استمالتهم؛ ولم تكن"إنجلترا" تسعى إلى حل المشكلة الفلسطينية- قضية العرب الكبرى- بقدر ما كانت تريد تخديرهم، حتى يتثنى لها الوصول إلى مخططاتها التي تهدف إلى إقامة وطن قومي لليهود على الأراضي الفلسطينية، وتثبيت أقدامها في البلاد العربية التي تقع تحت سيطرتها، لذلك فسرعان ما نقضت عهودها للدول العربية ووعودها لها بالحرية بعد أن تنتصر في "الحرب العالمية الأولى"، ثم كانت الطامة الكبرى بوعد "بلفور" الجائر سنة (1336هـ = 1917 م)؛ ولذلك فقد رأى "الإخوان المسلمون" أن الإنجليز وغيرهم من الدول الاستعمارية العدو الأول للعرب والمسلمين، وأنهم رأس البلاء والشقاء، وأنه لن يعود للإسلام مجده ولن تقوم للعرب قائمة إلا إذا تحررت الشعوب الإسلامية، وأن المفاوضات مع العدو البريطاني لا تجدي وأنه لابد من مقاومة البريطانيين حتى يتم الجلاء عن جميع الأراضي العربية، وأنه لابد من تهديد أمنهم وضرب مصالحهم والقيام بالأعمال الفدائية ضدهم وضد أعوانهم في كل مكان، سواء كان ذلك على أرض مصر أو خارجها، وأن مثل هذه الأعمال هي التي سيكون لها التأثير المباشر في تغيير الإنجليز لسياستهم، وزعزعة أمنهم واستقرارهم في مصر. فقد جرب المفاوضون المصريون هذه المفاوضات، ومن أشهرها اتفاقية (1355 هـ= 1936 م) التي عقدها معهم "مصطفى النحاس باشا"، إلا أنه ما لبث أن ألغى هذه الاتفاقية؛ حينما وجد أنها لا تنفع مصر ولا مصالحها، بل تقدم الدعم للإنجليز وأعوانهم. مفاوضات "محمود فهمي النقراشي" وكان "محمود فهمي النقراشي" قد تولى رئاسة الوزراء الأولى له في مصر في شهر (ربيع الآخر 1364هـ= مارس 1945 م)، وتقدم إلى الحكومة البريطانية بمذكرة هزيلة؛ أطمع من خلالها الإنجليز، مما جعلهم لا يردون عليه بالقبول أو بالرفض، مما أثار عليه الشعب المصري وعلى رأسهم (الإخوان المسلمون)، فوقت العديد من المصادمات بين طلاب الجامعات المصرية وبين البوليس المصري في "القاهرة" و"الإسكندرية"، وكان من أشهر هذه الصدامات ما حدث في (7 من ربيع الأول 1365هـ= 9 من فبراير1946 م) عندما احتشد الطلاب في مظاهرة ضخمة وعند مرورهم على كوبري "عباس" قام البوليس المصري بأمر من "عبدالرحمن عمار بك" واللواء "سليم زكي باشا" بإطلاق النار على الطلاب وضربهم بالهراوات، مما دفع بعض الطلاب إلى إلقاء أنفسهم في النيل من شدة الضرب، وإطلاق الرصاص، وأُصيب (160) طالبًا إصابات بالغة الخطورة، لكن ذلك لم يثنِ الشعب المصري عن المقاومة؛ مما اضطر"محمود فهمي النقراشي باشا "إلى تقديم استقالته في (12 من ربيع الأول 1365هـ= 14 من فبراير 1946 م). مفاوضات "صدقي"- "بيفن": خارج القدس ملف:.jpg القدس القديمة وعندما تولى "صدقي" باشا رئاسة الوزراء خلفًا للنقراشي باشا في سنة (1365هـ=1946 م)، كان العالم العربي والإسلامي في ذلك الوقت في شدة الغضب من الممارسات البريطانية في فلسطين وما تقدمه "بريطانيا" لليهود في فلسطين من سلاح ومساعدات، ولكن حكومة "صدقي باشا" الذي كان لها موقف مريب في التفاوض مع الإنجليز، فقد سعت من خلال المفاوضات مع الإنجليز أن تحقق لهم أكبر قدر من الاستقرار والحرية في مصر، وتضمن لهم الحفاظ على مصالحهم في البلاد، وخرج ذلك في شكل اتفاقية أرمها كلٌّ من الطرفين أطلق عليها اتفاقية "صدقي"-"بيفن"، وقد أثارت هذه الاتفاقية سخط وثورة الشعب المصري بكل طوائفه، وكان (الإخوان المسلمون) أول من أدركوا ما وراء تلك الاتفاقية، ونبهوا إلى خطورتها والآثار المترتبة عليها، فقابلوها بالرفض والثورة على هذه الوزارة التي قدمت أكبر دعم للإنجليز بقيامهم بهذه الاتفاقية، مما دفع سبعة من أعضاء لجنة المفاوضات المصرية إلى الاستقالة من اللجنة احتجاجًا على أن مشروع المفاوضات لا يحقق الأماني الشعبية المصرية، فلما أصر "صدقي باشا" على السير في إبرام هذه الاتفاقية رغم المعارضة المصرية الواضحة له، تصدى له (الإخوان المسلمون)، ولم تهدأ ثورتهم حتى اضطر الملك إلى إقالته في (المحرم 1366هـ= ديسمبر 1946 م)، مما أنقذ مصر من هذا المشروع المضيع لحقوقها. وزارة "النقراشي باشا" الثانية أبناء فلسطين وعندما تولى "النقراشي باشا" الوزارة للمرة الثانية سلك أسلوبًا جديدًا في معاملة الإنجليز، إذ رأى أن تعاونه معهم لن يجديه نفعًا أمام مقاومة وثورة الشعب المصري، فكان أسلوبه الجديد سببًا في تأييد (الإخوان المسلمين) له والوقوف بجانبه عندما بعث "مصطفى النحاس باشا" برقية إلى (مجلس الأمن) يندد فيها بحكومة "النقراشي باشا"، ويزعم أنها غير ديمقراطية، وأنها حكومة ديكتاتورية، مما دفع الشيخ "حسن البنا" المرشد العام للإخوان، أن يرسل برقية باسم "الإخوان المسلمين" يقول فيها: "إلى جناب رئيس مجلس الأمن وسكرتير هيئة الأمم المتحدة... يستنكر شعب وادي النيل البرقية التي بعث بها إلى المجلس وإلى هيئة الأمم المتحدة رئيس حزب الوفد المصري، ويراها مناورة حزبية لا أثر للحرص على الاعتبارات القومية فيها، وسواء كانت حكومة مصر ديمقراطية أو ديكتاتورية، فإن الشعب المصري يُعلن على الملأ أمام هيئة الأمم المتحدة أن ذلك أمر يعنيه وحده، وأنه لا يسمح لأي دولة أجنبية بالتدخل فيه ، فله وحده الحق في أن يختار نوع الحكم الذي يريده، طبقًا لميثاق الأطلنطي ومبادئ هيئة الأمم، وله وحده الحق في أن يعرض على حكومته ما يريد، وأن يؤاخذها على كل تقصير يراه". وكان لوقوف (الإخوان المسلمين) بجانب "النقراشي باشا" أثر كبير في قيامه بإعلان قطع المفاوضات مع الإنجليز، وقطع صلته بهم في "هيئة الأمم المتحدة"، بل إنه شجع دعوة الإخوان للدفاع عن فلسطين ومساعدة إخوانهم في فلسطين، من خلال شراء الأسلحة أو جمع التبرعات. وسمح لهم بجمع بقايا الأسلحة التي خلفتها الحرب العالمية من الصحراء الغربية، وفتح لهم أماكن للتدريب في "الهايكستب"، وفي الأقاليم المصرية، وسمح لهم بحشد المتطوعين والمجاهدين من كل مكان في مصر. ولكنه ما لبث أن انقلب عليهم في أعقاب الهزيمة التي لحقت بالجيوش العربية في حرب (1367هـ= 1948 م) والتي شارك فيها (الإخوان المسلمون) بجانب الجيش المصري، ولمسوا كيف لعبت العمالة والخيانة دورًا خطيرًا في التخطيط لتلك النكبة، وحدوث تلك المأساة التي انتهت بتسليم فلسطين لليهود. وأعلن "النقراشي" الحرب على (الإخوان المسلمين)، وأمر أن يجردوا من أسلحتهم، وأن يرسلوا من أرض المعركة إلى المعتقلات في مصر، وأمر بحل (جماعة الإخوان)، ومصادرة أموالها وممتلكاتها، وفي ثورة تلك الأحداث. وتصاعدت الأحداث حتى انتهت باغتيال الإمام "حسن البنا" على نحو غامض في مساء يوم السبت (14 من ربيع الآخر 1368هـ= 12 من فبراير 1949 م) وهو يغادر (جمعية الشبان المسلمين) بشارع رمسيس بالقاهرة.
شهادة كتاب إنجليز على دور الإخوان المقاوم للإحتلال الإنجليزي

شهادة الكاتب الإنجليزي "توم ليتل" وصف دور الإخوان في مقاومة الأحتلال الانجليزي و مدى تأثيره: "إنَّ كلَّ الحركاتِ النشطة والعاملة في مصر بما فيها حزب الوفد اشتركت في العملياتِ الهجومية ضد قوات الجيش البريطاني المرابطة في قناة السويس, ولكن المصدر الذي انبعثت منه إستراتيجية حرب العصابات ضد الإنجليز, وإثارة الشغب ضدهم، تتمثل في جماعة الإخوان المسلمين المتوغلة في تطرفها الوطني". شهادة الكاتب الإنجليزي "جوردن ووتر فيلد" "إلى أنَّ تلك المعركة التي خاضها شباب الإخوان اضطرت رئيس وزراء بريطانيا آنذاك ونستون تشرشل إلى قطع إجازته والعودة إلى لندن ليشرف بنفسه على خطط وزارة الدفاع البريطانية لمواجهة تزايد أعمال المقاومة التي كان يقودها الإخوان المسلمون ضد القوات البريطانية في مصر".
انشر هذا الموضوع :

انضم لمدونة نهضة مصر

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
نهضة مصر