شن الشاعر عبدالرحمن يوسف هجوماً حاداً على رئيس حكومة الانقلاب حازم الببلاوي، معتبراً إياه رجلاً عنصرياً يمارس تمييزاً دينياً بين المصريين، وذلك على خلفية استقالته بعد أحداث ماسبيرو والتي وصفها الببلاوي نفسه بمظاهرات «شباب مسيحي»، في حين غض الطرف بل وشارك في مجزرة فض اعتصامي رابعة والنهضة والتي راح ضحيتها آلاف الشهداء والمصابين. وقال يوسف في مقاله الممنوع من النشر بـ «اليوم السابع»، والذي نشره يوسف على موقعه الإلكتروني، «دكتور حازم الببلاوي رئيس وزراء مصر ... بعد التحية .. مُرسل هذه الرسالة كاتب ينتمي لجيل غير جيلكم، ويفكر بطريقة غير طريقتكم، ويحاول أن يحافظ على احترامه للدولة المصرية ولرجالها بقدر ما يحاول أن يحافظ على ما تبقى له من عقل». وأضاف «معالي رئيس الوزراء .. في البداية لا بد أن أروي خلاصة قصة استقالتكم من وزارة د.عصام شرف كما وردت في كتابكم الهام (4 شهور في قفص الحكومة، ط 2012 دار الشروق)، أرويها لكي يفهم القارئ معنى رسالتي لك، ومنطق الأسئلة التي تطرحها، وخلاصة الاستقالة أنك قد عدت إلى منزلك وشاهدت المشاهد المؤسفة ليلة "مذبحة ماسبيرو"، ولاحظت أن الدولة "تبدو غير موجودة، أو ضائعة تماما" . في اليوم التالي، انعقد مجلس الوزراء بعد أن اتضح حجم المأساة وعدد الضحايا (من 19 – 35 قتيلا حسب تفاوت الأرقام)، وطالَبْتَ الحكومةَ بالاستقالة احتراما لنفسها واعتذارا للشعب المصري، ووافق أغلب الوزراء في بداية الاجتماع، ثم تراجعوا في نهايته وقالوا إن الاستقالة تعتبر تخليا عن المسؤولية في لحظة حساسة . هذا الكلام لم يقنع سيادتك، وأصررتَ على الاستقالة، وأرسلتَها إلى د.عصام شرف، وغادرتَ مكتبك، وأغلقتَ هواتفك، وبعد أن انقلبَتْ الدنيا ذَهَبْتَ لمقابلة المشير طنطاوي والفريق عنان، وخرجتَ من الاجتماع مترددا، ولكن في نهاية الأمر استقلتَ، وتركتَ منصبك فعليا في 21 نوفمبر 2011 ». وتابع «لقد فعلت ما أملاه عليك ضميرك، وصفق لك أبناؤك، ولا عجب في ذلك فهم (أبناء الثورة والتحرير) كما وصفتهم في كتابك . في أول اجتماع لمجلس الوزراء بعد الاستقالة، زايد على موقفك بعض الوزراء بسبب استقالتك التي "عَرَّتْهُمْ" حسب تعبير الوزير منير فخري عبدالنور "ضاحكا"، ولاموك على مخالفتك لرأي الأغلبية، لكنك لم تسكت وقلت يومها: "لقد تصرفتُ بوحي من ضميري"، "ليس هناك أغلبية تفرض على الإنسان ما لا يتفق مع مبادئه». وواصل يوسف «قلت في نص استقالتك: "وفي ضوء الأحداث الأخيرة وما ترتب عليها من إخلال شديد بالأمن والاستقرار، ونظرا إلى أنني أعتقد أن المسؤولية الأولى للحكومة – أي حكومة – هي حماية الأمن وتوفير الأمان لحياة الأفراد وأموالهم، فإنها (الحكومة) تكون مسؤولة، حتى وإن لم يقع خطأ من جانبها، عن أي إخلال خطير بالأمن، لكل ذلك فإنني أجد نفسي غير قادر على الاستمرار في موقعي" . والآن دعنا نقترب من مفاهيمك حول الوطن، والدولة، والأمن، والمواطنين.. لقد قلت في كتابك (ص119) في معرض حديثك عن مذبحة ماسبيرو وتأريخك لملابسات استقالتك:"وكان المعروف أن هناك مسيرة من الشباب المسيحي الذين سوف يتوجهون إلى ميدان ماسبيرو، للتعبير عن شكواهم لما تتعرض له بعض الكنائس من اعتداءات، وغيرها من مظاهر الفتنة الطائفية». وقال يوسف «بغض النظر عن أنه لا يوجد في القاهرة ميدان اسمه "ميدان ماسبيرو"، ولكن دعني أسألك : أهذا كل ما رأيته في المسيرة؟ شباب مسيحي؟! لقد كانت مسيرة مصرية يا رئيس وزراء مصر، طالبت بوحدة وطنية، وبحقوق متساوية لكل الأديان، وبحراسة وتأمين لكافة دورالعبادة، وأنا شخصيا أعرف الكثير من المصريين المسلمين الذين شاركوا فيها بحس وطني شريف، ولا يعني تحمس بعض الشباب المسيحي المتدين ورفعهم لصلبانهم في المسيرة أنها كانت مظاهرة "مسيحية"، وإذا سمحت لي فأنا لا أرى في وصفك للمتظاهرين بالشباب "المسيحي" سوى حس عنصري طائفي لا ينبغي لرجل دولة أن يقع فيه سيما إذا كان ليبراليا كما يقول ! هذا الحس العنصري هو ما دفعك لتبرير قتل المئات من المصريين في رابعة، وأنت الذي استقلت من أجل ثلاثين قتيلا أغلبهم من المواطنين المسيحيين (ويؤسفني أن أقول ذلك، ولكنني أسير خلف رؤيتك وألفاظك أنت) فهل ترى أن هناك بعض المواطنين يستحقون الأمن وآخرون يستحقون القتل؟». ووجه يوسف سؤالاً للببلاوي قال فيه «هل تعلم يا رئيس الوزراء أنك حين استقلت لم تكن براءة متظاهري ماسبيرو قد ثبتت بعد؟ وكان إعلام الحكومة التي كنت عضوا فيها ما زال يكذب بشأن أسلحة حملها المتظاهرون واعتدوا بها على الجيش؟ أي أنك قد بنيت استقالتك على أساس من حقوق المواطنين في الأمن حتى لو اندس بينهم من يحمل سلاحا، فهل كان هذا "الحق" قاصرا على متظاهري ماسبيرو دون غيرهم لأنهم – في نظرك – مسيحيون لهم حقوق المواطنة، وسواهم من متظاهري رابعة مسلمون ليس لهم سوى البندقية؟ (وما زلت أتحدث بمنطقك أنت!) هذا الحس العنصري هو ما دفعك أيضا لأن تصرح لقناة (A.B.C) الأمريكية منذ أيام قليلة "إن من حق الدول أن تستخدم الأساليب "الوحشية" من أجل فرض الأمن، شريطة ألا يكون ذلك أسلوب حياة!، وتحدثت عما فعلته قوات الجيش الأمريكي في فيتنام، وعن مجازر الحرب العالمية الثانية" !». وتابع «بناء عليه فإن الإنسان الفيتنامي أقل كرامة من الإنسان الأمريكي في نظرك، وما فعله الإمريكيون بالفيتناميين هو حقهم ولو كان وحشيا، ما لم يتحول إلى أسلوب حياة (مجزرة ع الماشي وتعدي).». واتهم يوسف الببلاوي بالعنصرية قائلاً له «معالي رئيس الوزراء .. ألست رجلا عنصريا بكل معنى الكلمة؟! هل تبرر قتل الأمريكيين لأكثر من ثلاثة ملايين مواطن فيتنامي، وتستشهد بذلك في معرض حديثك عن تعامل جهاز أمنك مع مواطنين مصريين (حتى لو خالفوا القانون)؟ لقد استقلت من أجل 30 مصريا قتلوا في عهد المجلس العسكري وقلت إن ضميرك أوجعك، وقض مضجعك، بينما تحاول الآن أن تنحاز إلى تراث الوحشية في العالم كله كي تبرر مذبحة رابعة التي شاركت في الإعداد لها غيرعابيء بحقوق المواطنين، فهم ليسوا من الشباب المسيحي – كما ترى وتصنف وتفرق على أسس دينية – يا صاحب الليبرالية الديمقراطية !». وقال «هل ترى أن الوحشية مع المواطنين حكر على حازم الببلاوي دون غيره؟ هل تعلم أن ضحاياك يوم 14 أغسطس - وفقا لأرقام حكومتك - يفوق كل ما سقط من القتلى خلال فترة حكم المجلس العسكري؟ هل تعرف أن ذلك يجعل نظامك يستخدم الوحشية (كأسلوب حياة) أكثر من نظام المجلس العسكري الذي استقلت منه اعتراضا على ممارساته؟». واختتم يوسف بقوله «يا رئيس الوزراء .. هذه الرسالة تحمل اتهاما واضحا صريحا لا لبس فيه: أنت رجل عنصري، تمارس تمييزا دينيا بين المواطنين، وتمنح نفسك حق ممارسة الوحشية – كأسلوب حياة – بينما تزايد على غيرك بالاستقالة وأوجاع الضميرعلى جرائم أهون بكثير، فإما أن تدفع عن نفسك، وإما أن تدافع عن مواطنيك باستقالة أخرى لن تعفيك من المساءلة ! معالي رئيس الوزراء أنا أنتظر إجابتك .. بنفسك، برسالة، ببيان، برد رسمي، بما شئت، ولكن - أرجوك - لا تجبني بتسليط بعض الكتبة المرتزقة عليّ، فهذا يسيء إليك، وأنا أعفيك منه إذا كان حيلتك الوحيدة، ويكفينا ما نلنا من صدمات في رجال دولتنا، والسلام ».