حسن القباني :
منسق حركة صحفيون من اجل الاصلاح
ليس المهم في هذه الأوقات الفاصلة من عمر الوطن المفدي ، تحويل النضال الثوري الي عمليات حسابية ، او الركون الي مصالح سياسية نكراء حول الجهة الفائزة بعد حسم المشهد الحالي ، أو البحث عن مخرج سريع سبق اخفاقه في 11 فبراير 2011 ، فالمهم أن نحافظ علي الوطن ونضع حدا فاصلا بثوابت راسخة لاستقراره الدائم تنطلق من نصرة ثورة 25 يناير المجيدة .
ويزعجنا ذهاب البعض الي اسقاطات تاريخية غير مرتبطة بالواقع الثوري المصري ، الذي خط بسلمية مدهشة واصرار عظيم بنود ثورة بيضاء تحدث عنها العالم في 2011 ، واستخلاص نتائج مبنية علي منطلقات خاطئة ، وتجاهل خطأ التأسيس الثوري لديمقراطية مرتعشة لا تأمن علي نفسها أوشعبها من خيانة جديدة تحت ارهاب الرصاص الميري!.
وهنا نعيد ما سبق ان حذرنا منه في مقالنا " عودة الشرعية.. عنوان الحقيقة !" ، وهو أن إسقاط الانقلاب وحكم العسكر دون عودة الشرعية الدستورية كاملة، كإنقاذ مواطن من حريق برميه من الدور العشرين، وأن عودة الشرعية الدستورية دون شراكة سياسية حقيقة ومحاسبة القتلة والتزام ثوري، كحرق المواطن بعد سقوطه من الدور العشرين، والوطن– المواطن- لا يستحق مزيدًا من الحرق ولا مزيدًا من السقوط!.
إن الصبر مفتاح الفرج ، والنصر مع الصبر ، وحكمة الشيوخ قد تنفع بعض الوقت ولكن لا تنفع كل الوقت ، وخط قلم نبيل وكبير نداء لتجرع ثائرون السم لأجل الوطن ، يورط المستجبين له في الخيانة والانتحار وكلاهما محل رفض ديني وثوري ، ويجب اعطاء الفرصة للشعب أن يقود ثورته بعماد صلب " شباب ونساء عاهدوا الله ثم الوطن علي البذل بلا حدود "حتي اخر المطاف بصبر جميل .
واستخلاص كاتبنا الكبير النداء الخاطيء من واقع حرب كانت بين ايران والعراق ، استخلاص مبتور الصلة بالواقع ، ففي مصر الثورة ، السلمية تنازل الرصاص ، والحقيقة تصارع الخيانة والوهم ، والحشود الشعبية تواجه الجيوش المسلحة ، بينما في المعركة علي حدود بلاد الرافدين الرصاصة في مواجهة الرصاصة والمدفع يتصدي لمدفع والطائرات تواجه الطائرات ، وتلك اذا قسمة غير عادلة.
والمشهد الحالي حفل بالعديد من المتغيرات التي تخصم من مربع الانقلاب ، لصالح الثورة ، بعد انشقاق الرموز السياسية ، وتدشين حراك لمواجهة الديكتاتورية العسكرية ، والفشل الحكومي الذريع في الجانب الاقتصادي الذي لن يبقي سلطة الانقلاب طويلا ، والخلافات الداخلية علي تقسيم الكعكة بين قادة الانقلاب والمتحالفين ، ودخول وجوه جديدة للحراك الثوري وتصعيد التلاميذ والطلاب في المدراس والجامعات ، وصمود المراة المصرية وحضورها المبهر في قيادة الثورة ، وهي متغيرات لم يرصدها القلم الكبير النبيل ، وبني علي غيرها استخلاصات اخري مغايرة للواقع.
وليس اعتماد سلطة الانقلاب علي العنف والارهاب والاعتقال مظاهر قوة وثبات كما يري البعض ، بل هي مظاهر ضعف وتأسيس لنهاية ، فمتواليات الظلم والطغيان نذير نزع الملك والسلطان ، والتراجع عن الضبطية القضائية في الجامعات بعد ان اعلن المادر الطلابي عن بوادر غضبه مثال واضح ، ويوجد غيره عشرات التراجعات التي تعبر عن الفشل الانقلابي وبدء الهزيمة.
والمسألة تجاوزت الاخوان المسلمين ، وأي تراجع لهم عن المشاركة في الحراك الثوري الشعبي تحت أي مبرر ، بعد أن انكشفت كل معالم المؤامرة ، سبة في جبين الجماعة ، وعار سيلاحق اجيالها الجديدة ، وهو أمر بات مفهوم ، وعبرت عنه الجماعة بالتمسك بمطالب الشعب الثائر بعودة الشرعية كاملة ودحر الانقلاب ، وبالتالي فهناك شعب يقود ولن يصمت وتحالف وطني داعم يفكر ويدبر ، والإخوان جزء من المشهد وليس كل المشهد.
وهنا ، يجب أن نشير أن مؤامرة الإنقلاب ، درات عجلاتها علي مدار عام ، لتنفيذ مخططها ، بمكر وخداع ودهاء ودماء ، وصبر للصوص الثورات ومخاطرة بحياتهم وشل للوطن لمدة عام ، وهو ما يجب ان يواجه علي الاقل بعام مثله ، او يرزق اصحاب الثورة بحسم مبكر –وهو المتوقع- في ضوء المشهد ، أما التعويل علي وقوف القوة المسلحة للجيش حائلا ليس مسلمة ، فالقوات المسلحة لم تدرب افرادها علي العمل كشرطة ، وفرحة الداخلية بتوريط الجيش في مهامها لن تدم طويلا وما بين لحظة وانتباهاتها يغير الله من حال الي حال ولازال في الظل مفاجأت واحرار شأن كل الثورات .
الدعوة لما يمكن أن نسميه " سلق" المشهد الداخلي ، من أجل عدم "الانكفاء على الذات والانسحاب من المشهد العربى" هي تكرار لخطأ "11 فبراير 2011 " عندما سلمنا الأمر لعناصر تميل لمشروع التبعية الصهيو الامريكي في المنطقة بحسن نية وسلامة صدر، وكان الأجدر التركيز علي الدعوة للحسم العربي الشامل بالتوزاي مع الحسم المصري ، حتي تتسع ثورات الربيع ، وتتقدم نحو دول تخيلت في لحظة غرور أنها قادرة علي تحجيم فكرة الثورات السلمية في المحيط العربي الغارق في الديكتاتورية الملكية والحكم باسم اسرائيل "!" ، مع العلم أن الحسم المصري بداية لحسم عربي .
لا نتصور عقلا أن يطالب أحدا داعمي الشرعية وأصحاب الدم وكارهي العسكر الخائنين بالتسليم والتوقف ، رغم أنهم يذقون الموت ملايين المرات ويمتلكون الحق ويكتسبون يوميا أرضية جديدة وأنصار جدد ، وتأييد شعبي وثوري غير مسبوق في مقابل سلطة غير شرعية انحرفت بمسار الجيش والشرطة ، وتمتلك تأييد شعبي ثابت لم يؤهلها للفوز في 6 استحقاقات انتخابية.
يجب ان تتاح للشباب الفرصة كاملة وبصبر جميل ، لحماية الوطن، وارادة الشعب، ومستقبل الأمة ، كي تخرج من رحم الثورة دولة مهيبة له قواعد متينة وبها شعب مهاب وجيش قوي وشرطة في خدمة الشعب وقضاء مستقل حازم وديمقراطية مصانة .
ونقول ختاما الي عشرات الملايين الثائرين في انحاء الوطن المفدي : ثوروا تسعدوا واصبروا تنتصروا ، واعلموا ان هذه المرة غير كل المرات ، وانها تتطالب حسم كامل ، لاستقرار دائم ، تحسم معه كافة مطالب الثورة " عيش حرية شرعية عدالة اجتماعية كرامة انسانية ".